احتضنت ثانوية محمد الخامس التأهيلية العريقة بمدينة مراكش يوم السبت 25 ـ 02 ـ 2012 لقاءً شعريا احتفت فيه بالشاعر المغربي عبد السلام مصباح، وبإصداريْه الشعريين: ''حاءات متمردة'' و''تنويعات على باب الحاء''.
حضر اللقاء ثلة من الشعراء والمهتمين، وأطر من المؤسسة المحتضنة، وجمهور جميل من تلميذات وتلاميذ الثانوي ألتأهيلي. وأداره الأستاذ عبد المجيد الطربالوطي، الذي رحب في كلمته الافتتاحية بالحضور والضيوف والمشاركين في الندوة، وبالشاعر المحتفى به. مؤكدا على أهمية الشعر، وقدرة الشعراء على الغوص في عوالم بعيدة ومشحونة، والتعبير عنها في لغة فنية تعكس رؤاهم، وتحمل كثيرا من النبوءات، وأنهى تقديمه بتجديد الترحاب بالشاعر: عبد السلام مصباح.
ولتقريب المحتفى به أكثر من الحضور، قدمت التلميذة أمل العيوج سيرة ضافية عن الشاعر همت بالخصوص، نشأته وتربيته ومشواره الدراسي وتأثره بالشعر الإسباني.. وضمّنتها بيبليوغرافية شاملة لأعماله ومشاركاته في الحقل الشعري إبداعا ودراسة وترجمة، كما أشارت إلى أهم المحطات في مسيرة الشاعر، وما ترجم له من أعمال إلى لغات أجنبية كثيرة.
بعدها، انطلقت فعاليات الندوة حول التجربة الشعرية للشاعر عبد السلام مصباح شارك فيها كل من: ذ الناقد عبد الرحمان الخرشي، ود الشاعر إسماعيل زويريق ود الناقد مسلك ميمون والشاعر والناقد المصطفى فرحات. والندوة أدراها ذ عبد المجيد الطربالوطي.
أولى المداخلات، كانت بعنوان: (من مظاهر الإبداع و التمرد في ''حاءات متمردة ")، قدمها الأستاذ عبد الرحمان الخرشي. وقبل أن يباشر الموضوع، رحب بالشاعر عبد السلام مصباح، وبضيوف اللقاء من الشعراء الذين أبوا إلا أن يمدوا جسورا من المحبة و التواصل في رحاب الشعر..
وفي مداخلته الرصينة، ترسّم الأستاذ الخرشي مفهوم التمرد وعناصر الإبداع في ديوان ''حاءات متمردة''. وبعد أن قدم قراءة وصفية للمجموعة الشعرية، توقف عند (الإهداءات) في الديوان، مستجليا دلالتها كنصوص موازية، سواء تلك التي تصدرت كثيرا من قصائد الديوان،أو إهداء الديوان نفسه.
وتحت عنوان فرعي: ''تجليات العتبة'' انبرى الناقد لتحليل العنوان، والكشف عن دلالة لفظة (حاءات)، منطلقا من الصفات الداخلية و الخارجية لحرف الـ(حاء)، وخصوصياته الصوتية، مبرزا علاقة معاني كثير من الكلمات التي تبتدئ بحرف الحاء من مثل: حرارة، حريق، حنين، حب، حمرة، حمى...بموضوعات الديوان: الحب، الحزن، الحلم، الفرح. ليثبت من خلال إبراز هذه العلاقة أن التمرد حقيقة لازمة في العنوان، وهو تمرد إبداعي ينكر ما هو قائم في الشعر العربي القديم والحديث.
ثم ترصّد الأستاذ عبد الرحمان الخرشي، مظاهر السلطة اللغوية و الدلالية للحاءات في قصائد الديوان، مستقرئا المعجم الشعري الذي زخر بالـ ''حاءات'' المصرحة بدلالة التمرد. وهو معجم توزع على حقول دلالية عدة، حقل نفسي استبطاني، حقل الألوان، حقل الزمان و المكان،حقل الألم و المعاناة، حقل الجمال...ثم أردف الناقد استقراءه للمعجم الشعري، بقراءة في عناوين النصوص، وخاصة عنوان المجموعة. كما قدم قراءة مستفيضة للغلاف بوجهيه، والذي صممه الشاعر نفسه في إشارة أخرى إلى تمرده على ما دأب عليه الشعراء في إسناد تصاميم أغلفة أعمالهم إلى غيرهم، وقلة منهم من حدا حدو عبد السلام مصباح.
ثم وقف الناقد عبد الرحمان الخرشي عند خصوصيات الفن الشعري في المجموعة، فلاحظ أن الشاعر يقتفي آثار حركة الحداثة في الشعر العربي. ومن منطلق التمرد يمارس حريته بالكامل على مستوى التصرف في الخصائص الفنية، بدءا بعلامات الترقيم وانتهاءً إلى إدهاش المتلقي بالاشتغال على البعد البصري.
ومن الخصائص الفنية التي وقف عندها الناقد، ظاهرة التضاد و التقابل و التي تعكس قوة الشاعرية في نصوص المجموعة، وكذا ظاهرة التكرار في مستوياته الثلاث: التكرار اللفظي، تكرار ألفاظ متجانسة، تكرار عبارات قصيرة ومتوازية. وهاتان الظاهرتان منحتا نصوص المجموعة جرسا إيقاعيا، وجعلتا اللغة الشعرية أكثر استفزازا.
وآخر ما توقف عند الأستاذ عبد الرحمان الخرشي، جانب التصوير في المجموعة، وهو جانب ـ كما يرى الناقد ـ يتأسس على التمرد وليس على الصورة البيانية أو الرمزية. لذلك جاءت الصورة الشعرية موسعة، ومتسمة بالكلية. صورة تمارس لعبة الغواية الشعرية الشائقة باعتماد المجاز و بناء النصوص خارج الذاكرة الصرفية.
ثم كانت المداخلة الثانية للدكتور الشاعر إسماعيل زويريق عنونها بـ (ومضات متمردة في ''حاءات'' عبد السلام مصباح). استهلها بشهادة في حق الشاعر المحتفى به الذي تجمعه به صداقة قديمة ومحبة متينة .
وفي مداخلته، توقف الدكتور إسماعيل زويريق عند أسرار الحروف، وما ترمي إليه (الحاءات)، مستحضرا كتبا و أعمالا أدبية جاءت عناوينها حروفا، مثل''كتاب العين '' للخليل بن أحمد الفراهيدي، و ''ألف باء" للحسين القمري... وأعمال أخرى جاءت بعد (حاءات عبد السلام مصباح) جعلت من الحاء أحد مكونات عناوينها، مثل ديوان ''رحلة الحاء و الياء'' للشاعر الموريتاني أده ولد بّاه، و''حاءات حليمة'' للشاعر أحمد طليمات، علاوة على قصائد كثيرة كان الحرف مكونا أساسيا لها.( ذكر د زويريق أعمال أخرى).
وفي حديثه عن (حاءات متمردة) أشارد إسماعيل زويريق، إلى خطاطة موجودة بخزانة ابن يوسف بمراكش تحمل رقم 420، تشرح معاني الحروف الهجائية نقلا عن الفراهيدي. كما أشارإلى أن الحاء تعني: المرأة السليطة اللسان، وبذلك المعنى استعملها الشاعر أبو عبد الله الهواري. أما خالد بن حمزة المدني، فالحاء عنده تعني: المرأة الحسناء. وبذلك فهي اسم وليست حرفا. وتأسيسا عليه، فحاءات متمردة عند إسماعيل ازويريق تعني: نساء متحررات. وللتدليل على هذا المعنى، استشهد بنصوص من الديوان، وبخاصة: قصيدة حلم، التي تدور حول امرأة متمردة على الحلم، تغرد خارج السرب. قصيدة تمجد الحب باعتباره تمردا على الكراهية. وبعد تلمسه لتجليات التمرد في نصوص ''حاءات متمردة''، انتهى د. إسماعيل زويريق إلى أن الشاعر عبد السلام مصباح من الشعراء الذين تسكنهم خيوط القصيدة المتمردة. وأنهى مداخلته مشيدا بالصداقة الصافية التي تجمعه بالمحتفى به.
المداخلة الثالثة كانت بعنوان: أسلوب التكرار في شعر عبد السلام مصباح، وقعها الدكتور مسلك ميمون، تناول فيها التكرار كظاهرة أسلوبية نجدها في الشعر الجاهلي والأحاديث النبوية والشعر الحديث، ملخصا الغرض من التكرار في التوكيد على المعنى ولفت نظر المتلقي وتكسير الرتابة. ومن ثَم لامس الناقد مسلك ميمون هذه الظاهرة في ديوان:
'' تنويعات على باب الحاء''، حاصرا إياها في ستة أشكال:
ــ التكرار القبلي، والقصد منه تكرار كلمات بعينها في مستهل مقاطع شعرية.
ــ تكرار في شكل لازمة بعدية ( انتهاء مقاطع شعرية بلازمة تتكرر، قد تكون جملة أو كلمة).
ــ التكرار في شكل اسم، وهو تكرار يسعى إلى تحقيق المعنى في إطار إيقاعي.
ــ التكرار اللفظي، وهو مشاع في الديوان، ويسهم في تحقق الوظيفة البلاغية و الإيقاعية.
ــ التكرار في شكل فعل.
ــ التكرار الصوتي..
ليخلص الناقد مسلك ميمون إلى أن التكرار في ديوان: ''تنويعات على باب الحاء''، لم يأت اعتباطا أو حشوا أو ترفا زائدا، وإنما هو تكرار يؤدي وظيفة دلالية على المستوى البلاغي، ووظيفة إيقاعية عن طريق تغذية الموسيقى العامة في نصوص الديوان، بموسيقى دائرية.
آخر المداخلات كانت للناقد و الشاعر المصطفى فرحات، وقد قُدِّمت بشكل ثنائي في إطار تجربة إلقائية فريدة جمعت بين الناقد والشاعر. الناقد يلقي القراءة النقدية، والشاعر يقرأ الاستشهادات النصية. والمداخلة حملت عنوان: ''المرأة في ديوان: حاءات متمردة''، رصد فيه الناقد فرحات ستة نماذج للمرأة في الديوان، من خلال ست قصائد:
1ـ قصيدة حلم: وفيها يرسم الشاعر ملامح امرأةَ\ حلم..حلم يتلون بتلون حالته النفسية والوجودية. ويتغير بتغير الأشياء التي يتخذها مصدرا للتأمل. وفي تأمله ينتظر خروج المرأة من الممكن إلى التحقق.
2ـ نداءات: نموذج المرأة\القطة، كما ألف الشاعر أن ينعتها. وهو نموذج لا يوجد إلى في ذاكرة الحلم و الاحتمال.
3ـ سيدة الأسماء: مصدرة بإهداء لامرأة حقيقية ، امرأة موجودة في الواقع. وبذلك تعكس القصيدة نموذجا مغايرا لتلك التي في الحلم.
4ـ اعترافات: وفيها يبوح الشاعر بمشاعره اتجاه المرأة التي أحب من غير تحفظ، ليعكس بذلك وفاءه لهذا الحب الفطري.
5ـ مرسوم: نموذج للمرأة\النكد. المرأة المسكونة بحب السلطة ..
6ـ وميض في مدارات العشق: نص تحضر من خلاله المرأة \الرمز. المرأة الشهباء العينين التي تبتسم للتناقض و التضاد.
بعد الندوة، كان للحضور موعد مع تكريم تلاميذ المؤسسة الفائزين و المشاركين في المسابقة الشعرية التي نظمتها المؤسسة في اليوم الوطني للشعر، والاستماع إلى القصائد الفائزة بالجوائز الثلاثة الأولى بأصوات أصحابها، وهم:
ــ الجائزة الأولى: التلميذة أميمة عطراوي. (أولى باك علوم تجريبية)
ــ الجائزة الثـانية: التلميذة نعيمة الباز.(أولى باك آداب عصرية)
ــ الجائزة الثـالثة: أنس فاضلي.(ثانية باك علوم تجريبية).
أما باقي المشاركين فهم: (نظيرة بلكَوط ـ حمزة بفردوش ـ سكينة آيت الروم ـ فاطمة الزهراء نعمان ـ يونس الفجري ـ آمال العيوج ـ كريمة الحركاني ـ محسن أبوك ـ لمياء الحمداوي ـ بدر زراديا ). وجميعهم حظوا بالتكريم والتنويه اللذين يجبان. وهي بادرة تحمد للمؤسسة، وتطمئننا على المستقبل الشعري ببلدنا، بوجود مثل هؤلاء التلاميذ الذين أبانوا في نصوصهم ذات القيمة الأدبية المبشرة، عن موهبة أصيلة وإمكانات لغوية وتخييلية مهمة. وقبل هذا وذاك عن حب أكيد للقول الشعري. وأيضا بوجود أساتذة مؤطرين يتعهدون هذه المواهب اليافعة، ويخلقون لها الأجواء الملائمة لإبراز إنتاجهم والاحتكاك مع شعراء لهم مكانتهم ووزنهم المحترميْن في المشهد الشعري الوطني.
وانتهى اللقاء في جو ثقافي حميم، بتوزيع الشواهد التقديرية والتقاط صور تذكارية مع الشاعر المحتفى به الأستاذ عبد السلام مصباح.